December 17 2016

اليوم العالمي للّغة العربية: العرب في الغرب بين مؤيّد ومُعارض

واحدة من أكبر التحديات التي تواجه الجالية العربية في الغرب هي المحافظة على اللغة العربية كجزء لا يتجزأ من هويتهم.  فنرى العديد من أبناء الجالية العربية، وليس الأغلبية على كل حال،  يتشبثون بلغتهم، باذلين كل ما يملكون من وقت ومال ومعرفة في توريث هذه اللغة لأبنائهم، طارقين كل الأبواب المتاحة ليضمنوا إتقان أبنائهم للعربية قراءة وكتابة ومخاطبة.

في نفس الوقت، نرى عددا لا بأس به من العرب ممّن لا يهمّه إن كان أبناؤهم يتقنون العربية أو يستخدمونها بشكل يومي أو حتى جزئي في المنزل، كل ما يهمهم أن يكون باستطاعة أبنائهم أن “يفكّوا” الخط، على حد تعبيرهم، وأن “يُسلّكوا حالهم” عند مخاطبة العائلة على ال”تشات” أو على الهاتف، أو عند زيارة بلادهم خلال العطلة الصيفية. وغالبا ما يحادثك هؤلاء بلغة البلد التي يقطنوها، وقد يتخلل حوارهم بعض الكلمات العربية العامية، لأنهم يؤمنون بأن اللغة العربية هي شيء ثانوي، متأخّر ولا يعكس تفتّح أو ثقافة المتحدث. لذا حتى وإن حاولت أن تدير دفّة الحديث إلى العربية، يزداد تصميمهم أكثر فأكثر على اللغة الأجنبية، التي يصاحبها عادة نظرات ازدرائية لك ولعربيتك “المتحجرة”. وغالبا ما يصل الحوار إلى نقطة ميؤوس منها يتطلّب من أحد الطرفين أن ينهي هذا الحوار الغير متكافئ، وحبّذا أن يكون المبادر أنت، عربي اللسان حفاظا على ماء وجهك.

أمّا الفريق الثالث من العرب ، فهو متنصّل من كل ما يخص هويته وثقافته العربية، يمقت أصله، يكره لسانه، ويسعى بشتى الطرق إلى مسح ماضيه ومعالمه وخلق هوية جديدة لاتعترف بالعروبة لا من قريب ولا من بعيد. وهذه الفئة من الناس تصل إلى حد تغيير اسمها العربي وتبني إسم أجنبي “كول” يتماشى مع الهوية الجديدة، وتختار للأبناء أسماءا بعيدة كل البعد عن العربية. وإن كان الأبناء حضروا للغرب وهم يتكلّمون العربية، تلقاهم ينهرونهم عن استخدام لغتهم الأم، وكأنّها عيب، أو علامة تدل على التخلف والإرهاب والبربرية.  وعادة ما يتجنّب هؤلاء مخالطة الجالية العربية، ويكفي أن يشكّوا أنك عربي من ملامحك ليتجاهلوك ويقطعوا أي طريق قد تؤدي إلى حوار مشترك.

لغتنا، مع كل أسف، باتت مقترنة بالإرهاب، وصارت ذريعة للعنصريّين لإذلالنا واتّهامنا، ومن هنا ، أصبح العديد من العرب يتخوّفون من استخدامها في الغرب تجنبا للمشاكل والتعقيدات، ولكن هذا ليس مبرّرا، فعلى العكس تماما، إذا أردنا محاربة العنصرية علينا الدفاع عن براءة لغتنا من التهم المنسوبة إليها، ولا أقوى دفاع من الممارسة والانتشار. فبدلا من أن توبّخوا أبناءكم وتنهروهم عند استخدامهم للعربية، أنظروا إلى غير العرب الذين أُغرموا بلغتنا وأتقنوها أكثر منا. تعلموها وهم كبار، أحبوها وصار منهم من يقرأ لمحمود درويش وأحمد شوقي ونزار قباني، ومنهم من تخصص في الأدب العربي المعاصروصار يدرّسه، نعم، تخيّلوا؟ هذا في الوقت الذي ينفّر العرب أبناءهم من لغتنا وموروثاتها الأدبية والأعمال التي لن يرى أحد مثيلا لها في البلاغة والفصاحة.

Category: Arab Societies, Canada, Media, International, Posts in Arabic | Comments Off on اليوم العالمي للّغة العربية: العرب في الغرب بين مؤيّد ومُعارض
November 18 2016

الشكاوي بين الشرق والغرب

 قبل بضعة أشهر وصلتني رسالة بريدية من وزارة الصحة الكندية، تبيّن لي فيما بعد أنّها عبارة عن معلومات توجيهية هدفها توعية الأهالي بمراحل النمووالتطوّر العضوي والذهني والإدراكي الطبيعي لدى أطفالهم والمتوقّعة في كل مرحلة عمرية بالإضافة إلى العلامات الفارقة التي قد تشير إلى مشاكل في أي من هذه الفئات .  في داخل الظرف كانت هناك أيضا دراسة ومسح: أسئلة عديدة على الأهالي الإجابة عنها للتأكد من أنّ الأطفال هم في الاتجاه الصحيح والمتوقع لهم حسب عمرهم. بالإضافة إلى كل هذا كانت هناك بعض الكتيّبات المُرفَقَة والتي تساعد الأهالي في تحديد ما إذا كان الطفل مستعدا للدوام في دور رعاية الأطفال والحضانة، وعناوين المواقع المتوفرة في الأحياء السكنية القريبة، ومعلومات حول أوقات الدوام المطروحة وحول دَور الحكومة في مساعدة العائلات التي يعمل فيها كلا الأبوين. وفي آخر ورقة كانت هناك مجموعة من أرقام الهواتف وعناوين البريد الإلكتروني والعناوين البريدية التي  يمكن للآباء والأمهات الاتصال بأي منها في حال وجود أية استفسارات أو تعليقات على الأوراق المُرفقة.

كانت لدي بعض الاستفسارات، فتواصلت مع الجهات المعنية. وبعد فترة من الانتظار تواصلَت معي إحدى الموظّفات، وحددت معي موعدا  للتحدث في الموضوع. وبالفعل قابلتها البارحة، وأعطتني الكثير من وقتها، وأجابت عن كل تساؤلاتي، وشرحت لي كل شيء وكانت صبورة ولبِقة وسلسة في التعامل لدرجة أحسست فيها أنّها صديقة أعرفها منذ زمن.
في نهاية اللقاء، وبعد أن تأكّدَت من عدم وجود أية أسئلة أُخرى لدي، فتحت ملفّها السّمين والمليء بالأوراق والاستمارات المرتّبَة بشكل جميل، وناولتني بطاقة صغيرة، “ثمّ نظرت إلي وقالت لي:” تفضّلي، هذا اسم مسؤولتي، وستجدين كل المعلومات التي تحتاجينها للتواصل معها بالشكل الذي يريحك.
“أنا: “ولكن لماذا، أتنتظر منّي أن أكلّمها؟
الاختصاصية: “لا، ولكن في حال لم يعجبك أسلوبي في التعامل معك، أو لم تكوني راضية عن أدائي، أو شعرتي أنّي لم أكن بمستوى توقّعاتك، أو حتى بكل بساطة لم “ترتاحي معي، فأرجوكي أن لا تترددي في التواصل معها، ولا تشعري  بأي حرج بأن تنتقديني فهذا حقك، وستعمل مسؤولتي على استبدالي بشخص أنسب.

بصراحة، لم يسعني إلاّ استذكار المرات العديدة التي كنت أجد فيها نفسي في وضع استفزازي مع موظف(ة) في بلادنا، أطلب منهم تفسير شيء ما ويتجاهلوني بكل بساطة،  أو يجيبوني على مضض وباستقطاب وكأني ارتكبت جريمة، أو يرمقوني بنظرة عتب واستهزاء لأن من العيب أن أسأل. كم من مرة شاهدت كبارا في السن، يجدون صعوبة في القراءة، يستفسرون عن شيء ويتم الرد عليهم بطريقة غير لائقة، كم من مرة شاهدت آباء وأمهات يطلبون رؤية المسؤول في مكان ما لأنهم لاقوا معاملة سيئة وخدمة رديئة، وتمّت إجابتهم ب: “أعلى ما في خيلك إركبه”، أو: “إيدك وما تطول”، أو: “يمّا خوّفتني”… وانتهى بهم الأمر إماّ بالرحيل دون رؤية المسؤول، أو بلقاء مسؤول ألعن وأسوأ من موظّفيه مستعد حتى للتهجم على كل من يجرؤ على تقديم شكوى. من المؤسف حقّا، أنّ بلادنا تعج بالكفاءات والأدمغة المتميزة، والموظفين الذين لا تنقصهم الثقافة العلمية ولا الخبرة العملية ولا السرعة في الأداء، ولكن كثير منهم يفتقر إلى أبسط مبادئ التعامل السوي المحترف مع العميل/الزبون/المريض/المُراجِع.  الالتزام بأخلاقيات المهنة والتفاني في العمل واحترام الطرف الآخر، كلّها عوامل مهمة وأساسية لتقديم خدمة رائعة بل ومثالية، وهذا ما يفصل عالمنا العربي عن الغرب، وهذا ما يعيق إدراجنا كدول تحت قائمة العالم الأول. ومع أنّني أعي تمام الوعي، أنّ ظروف العمل في بلداننا أغلبها مُحبِطة ولا تشجّع الموظفين على التفاني في عملهم، ولكن ليكن وعينا وغيرتنا على تقدّمنا هو المحرّك الأساسي، وليكن حرصنا على إتقان عملنا هو دافعنا الأوّل والأهم، وعندما يقوم الموظفون بتأدية واجباتهم على أكمل وجه، وفي كل المجالات مهما كانت، فلابد أن يجني المجتمع بأكمله ثمار النجاح الذي سيؤدي إلى المردود المادي المبتغى، والأجواء الوظيفية المطموح إليها.

%d8%b4%d9%83%d9%88%d9%89

Category: Arab Societies, Canada, General, Posts in Arabic | Comments Off on الشكاوي بين الشرق والغرب
October 6 2016

مشكلة مدارس الشويفات مع أكسفورد وكيف نتفاداها

oxfordقبل بضعة أيام وخلال تصفحي للفيسبوك قرأت الخبر المتعلق بسحب مدرسة الشويفات لكتاب اللغة الإنجليزية للصف التاسع لأنه وصف الفلسطينيين بالإرهابيين. وفي موقع آخر، أُشير إلى أن مدير مدرسة الشويفات في المملكة، لؤي الشوملي، سيقاضي أكسفورد التي أصدرت هذا الكتاب، لإساءتها للفلسطينيين بهذا الشكل. وهو التصرف الطبيعي في مثل هذه الحالة بالطبع: سحب المادة المسيئة، ومساءلة المسيء قانونيّا. ولكن استوقفتني هذه الجملة المعترضة للشوملي: “متمنيا أن لا يتم إخراج الموضوع عن سياقه باعتباره خطأ بشري يتعلق بعدم المراجعة والتدقيق على التعديلات التي يتم إجراؤها بشكل سنوي على المناهج لإضافة المعلومات والمهارات التربوية والعلمية إلى منهاج المدرسة.”

وفقا للشوملي، قامت أكسفورد بإجراء التعديلات دون إعلام وزارة التربية والتعليم ولا المسؤولين في مدارس الشويفات. إذا كان هذا الكلام صحيح، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا يتعامل الغرب معنا بهذه السلبية؟  ألا يحق للعربي أن يطّلع على أية تعديلات تمس كتبا يدفع ثمنها (يعني مو ببلاش)؟ لماذا نُعامَل وكأنه لا حق لنا في إبداء رأينا أو الاعتراض أو الموافقة على ما سيُدرّس لأبنائنا؟
والإجابة هي نحن أنفسنا، ثقتنا العمياء بأن كل ما هو مستورد من علم أو ثقافة سيكون خاليا من الأخطاء وأفضل من أي شيء عربي. ولامبالاتنا المُخزية من جهة أُخرى. لماذا أصفها باللامبالاة؟ اسمحوا لي أن أشرح لكم من خلال تجربة شخصية حدثت معي هنا في كندا.

قبل ما يقارب العامين، طلبتني وزارة التعليم في المقاطعة التي أسكن فيها لأقوم “بترجمة وتدقيق بعض المواد اللغوية، ويُشترط أن يكون المترجم متفرغا وأن يحضر عند الاتصال به” هذا ما كان واردا في البريد الإلكتروني، وطبعا، عند التعامل مع جهات حكومية في كندا، لا يتم إخبار المترجم بكل التفاصيل إلا وجها لوجه.  عند وصولي لمكتب المسؤولة، وبعد توقيعي على عدد لابأس به من الأوراق القانونية التي تضمن عدم تحيزي في الترجمة وتحفظي على تفاصيل ما سأطلع عليه، طلبت مني . المسؤولة أن أجلس، وقالت لي: “دقيقة وسأرجع لك بالمواد” . ذهبت، ورجعت بصحبة مساعدتها، وفي يدي كل منهما جبل من الملفات والكتب
صرفت مساعدتها من الغرفة، أخذت نفسا عميقا، وقالت لي: “أترين هذه الكتب والملفات؟ كلّها باللغة العربية، وهي كناية عن المقرر المدرسي للغة العربية ابتداءا من صف روضة أولى وحتى الصف التاسع الأساسي. هذا المقرر سيتم تدريسه في أغلب المدارس العربية والإسلامية الخاصة في أونتاريو، سواء  كانت تلك المدارس التي تُدَرِّس دواما كاملا، أو التي تُدَرِّس يوما واحدا في نهاية الأسبوع. وبما أن الكمية كبيرة والوقت قصير، ولأني أريد مترجما واحدا فقط أن يقوم بهذه المهمة، فسأطلب منك أن تأتي كل يوم لمدة 4 ساعات حتى تنتهي من كل هذه الموادّ. أريدك أن تقومي بالتدقيق اللغوي للنص، ومن ثم سأطلب منك ترجمة النص، ترجمة شفهية فورية، وسأقوم بتسجيل الترجمة كمرجع”.
“أنا: “ولكن أليس من الأسهل والأسرع أن أكتب هذه الترجمات؟
المسؤولة: “صحيح، ولكن أريد طرح أسئلة بناء على ترجمتك الشفهية، لتوضيح المعنى العام من المواضيع المطروحة. أي أريدك أن تقومي بتدقيق لمحتوى النص أيضا. فكما تعلمين، كندا بلاد تضم مختلف الثقافات والديانات والمعتقدات والتوجهات. ولا أريد لأي شخص يعيش هنا أن يتلقى أي معلومة قد تكون مقبولة في ثقافة بلاده الأصلية ولكنها تسيء أوتهدد حرية أي شخص ينتمي لثقافة أخرى”.

طبعا كان واحدا من أشد المشاريع إرهاقا، وأكثرها تطلّبا، ولأنها مسؤولية كبيرة فقد كنت تحت ضغط نفسي كبير، ولكن كان من أكثر المشاريع إثارة.
احترمت حرصهم على بلادهم وقيمها، احترمت الجهد الجبار الذي يبذلونه في سبيل توضيح كل شيء، مع أن عقلي العربي ثار ضمنا واتهمهم بالعنصرية في البداية، ولكن عندما فرغت من العمل ووجدت أنهم لم يعترضوا على الحجاب في الصور، ولا على صور المصلين والجوامع ولا على المواضيع المطروحة لأنها لا تهدد حرياتهم ولا تؤثر  على قيمهم، فقد زاد احترامي لهم وزاد إعجابي برقابتهم المتفتحة البعيدة عن التحيز.

لم يهمهم أنّ من قام بإعداد ومراجعة هذه الكتب هم مجموعة من اللغويين والتربويين من داخل كندا، ولم يهمهم أنّ هذه الكتب  لن تُدّرَس في المدارس الحكومية أو الخاصة الكندية بل ستقتصرعلى بعض المدارس العربية والإسلامية، لم يهمهم أن المقرّر يتم تدريسه منذ سنوات في مقاطعات أُخرى في كندا، لم يهمهم أنهم لا يفهمون كلمة واحدة أو حرفا واحدا من أي كتاب أو ملف، بل جاءوا بأهل الاختصاص، واستثمروا وقتهم ومالهم في سبيل تفادي أي إساءات أو مشاكل هم في غنى عنها.
ولهذا أوجّه كلمة لوزارات التربية والتعليم ومسؤولي المدارس في شتّى الدول العربية بأن يحتذوا بكندا في هذا الموضوع تحديدا، وأن لا يثقوا ثقة عمياء فيما يصلهم من غيرهم.

لا يوجد أجمل من التبادل الثقافي شرط أن يكون هذا التبادل واع ومسؤول وأن يكون لنا رأي واضح قوي وصريح في كل ما نستورد. لدينا العديد من الكفاءات العربية التي يمكن أن تُستثمَر في تدقيق ومراجعة ومراقبة الكتب الصادرة من الغرب قبل تداولها، سواء أعلمتنا الجهة المُصدِرة بتعديلات أم لم تعلِم، ليكن قانونا نلتزم به بأن ندقق في كل الأحوال. بهذه الطريقة يحسب لنا الغرب ألف حساب ويعي أن العرب ليسوا متلقين فقط، بل هم مفكرون وواعون ومهتمون بالمحافظة على تاريخهم ومعتقداتهم ومبادئهم السياسية والأخلاقية والاجتماعية.

Category: Arab Societies, Canada, Jordan, Media, International, Posts in Arabic | Comments Off on مشكلة مدارس الشويفات مع أكسفورد وكيف نتفاداها
February 27 2016

نواب برلمان كندا العرب ومهزلة التصويت ضد حركة البي دي إس

 سبق وعبّرت عن استيائي وحزني الشديدين بخصوص نتيجة تصويت البرلمان الكندي الذي تم يوم الإثنين السابق. التصويت تداول حركة البي دي إس الفلسطينية، وهي حركة سلمية تهدف إلى التوعية بآثار الاحتلال الإسرائيلي وجرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل في حق الشعب الفلسطيني، مطالِبةً دول العالم بمقاطعة وسحب الاستثمارات من إسرائيل وفرض العقوبات عليها، إلى أن تطبِّق القانون الدولي وتحترم حقوق الفلسطينيين وتكف عن انتهاكاتها المتكررة والمستمرة ضد الشعب الفلسطيني، إضافة إلى إعطاء اللاجئين الفلسطينيين حقهم في العودة.
طبعا لن تحظى أي حركة بأي انتباه إلا إذا كانت جهودها ناجعة، وبالفعل آتت جهود الحركة أكلها وانضم إليها العديد، من مختلف الديانات، بمافي ذلك بعض اليهود، ومن مختلف الجنسيات، التي تضمنت حتى بعض الإسرائيليين. ومن هنا بدأت جهود إسرائيلية مضادة وحثيثة بالتصدي للحركة ومحاولة وقفها بشكل رسمي وقانوني، وليس هذا فقط، بل ومعاقبة كل من ينضم لها أو يدعمها أو يجَرِّم إسرائيل أو يحاول تعريتها، في وسائل الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي أو أي شكل من الأشكال.

وكانت الحكومة البريطانية أول من طبّق هذا القرار بمنع الحركة ومعاقبة كل من كان معها، وبعد أسبوعين، الإثنين الماضي، باشرت حكومة كندا في التصويت إماّ مع منع الحركة ومعاقبة من يدعمها و/أو يسيء إلى إسرائيل، أو التصويت ضد منع الحركة وضد معاقبة من يدعمها و/أو يسيء إلى إسرائيل.

المتابع منكم للموضوع بات يعلم أنّ التصويت النهائي كان لصالح إسرائيل ، وأنّ الحزب الليبيرالي الحاكم وحزب المحافظين (الذي كان وراء طرح القرار بمنع الحركة)  صوّتا لصالح إسرائيل، وأنّ كلاّ من الحزب الديمقراطي الجديد وحزب الكتلة الكيبيكية صوّتا ضد المنع ولصالح حركة البي دي إس، على أساس احترام الديمقراطية وحرية التعبير في كندا.
بدافع الفضول ومن باب العلم بالشيء أردت معرفة ما صوتت به نائبة منطقتي وهي من أصول أجنبية، وعرفت أنها قامت بالامتناع عن التصويت، لم أفرح بهذا ولكن أقدّر أنّ لشخص كبر وترعرع على ما يتشرّبه من الإعلام المنحاز لإسرائيل بأن لا يصوّت لصالح إسرائيل ويمتنع هي خطوة إيجابية نوعا ما  وإن لم تكن الصحيحة، ولكن الصدمة التي كنت وبكل صراحة لا أتوقعها، وعلمت بها قبل يومين إثنين فقط من خلال قراءتي لمقال، هي أنّ نائبين مسلمين صوّتا لصالح إسرائيل، نعم، صوّتا ضد حركة البي دي إس، وأنّ  باقي النواب المسلمين، بما في ذلك نائبين عربيّين ، إمّا تهرّبوا من التصويت بالتغيّب وعدم الحضور، أو حضروا وامتنعوا عن التصويت. لكم أن تتخيّلوا فاجعة الجالية العربية والمسلمة والعار الذي نحس به من هذه الحقيقة المرّة. لم أفكّر للحظة بأن أتأكّد من تصويتات النواب العرب أو المسلمين، اعتقدت أن تصويتهم لصالح الحركة أمر مسلّم به، لأكتشف أنّ كل التصويتات المساندة للحركة، وإن كانت غالبيتها نابعة عن دعم حرية التعبير وليست بالضرورة معادية لإسرائيل، كلها أجنبية، لا عربية، ولا مسلمة. وأنّ من تجري في عروقه نفس دماء ذالك الشعب الذي يعاني الأمرّين من الاحتلال، لم يأبه إلاّ بمنصبه، وخاف من سخط مُوالين إسرائيل.

أنا أعي تماما أنّ السياسة لعبة خطرة ومعقّدة، وأنّ الكلام سهل والفعل صعب، ولكن “يا عمّي إزا مش قدّ الشغلة ليش تدخلوها من أساسه؟”. لتعلموا أنّ الجالية انتخبتكم لتمثّلوها وتكونوا همزة الوصل بينها وبين البرلمان والحكومة، أنتم صوتها، تصويت مثل هذا ليس شيئاً شخصيا يخصكم، هذا صوتنا نحن، وعلى حد علمي، ليس هناك عربي واحد، لا مسلم ولا مسيحي، أيا كان أصله،  فرح بالاحتلال، أو يكره أن يعبّر عن رأيه بحرية دون عقوبات. يعني حتى لو لم تكن لديكم الجرأة بالدفاع عن القضية الفلسطينية من حيث المبدأ، وخفتم من إسرائيل _ مع أنّ هذا عار_ ولكن أضعف الإيمان أن تصوّتوا لصالح الحركة مثل الأجانب، من باب حماية حرية التعبير… أمّا لا قضيّة ولا مبدأ ووجودكم وعدمه واحد “طب لشو انتخبناكم بالله؟” بجد أعجز عن وصف مشاعري، هذا وأنا قد انتظرت يومين كاملين لأهدأ بعد قراءتي للمقال، لأنني لو كتبت لحظتها لأسأت الأدب بكل تأكيد.
وأسألكم، بالله عليكم، أبنفس السلبية ستتصرّفوا لو جاءكم أحد أفراد عائلتكم يشتكي، من اعتداء أحدهم عليه، هل ستسكت وتقول لابنك/بنتك/ أو قريبك، “معلش اسكت هذا ابن فلان لو مسح بأهلك الأرض بطلعله؟ “… لأنّ هذا بالضبط ما فعلتموه بسلبيتكم وخوفكم، سمحتم بأن يمارس الاحتلال انتهاكاته لفلسطين دون أي إدانة، فشكرا لحضراتكم، أنا اليوم ككنديّة لا يمكني أن أنتقد أو أُدين أو أتلفّظ بكلمة واحدة ضد إسرائيل، لا في كندا، ولا في أي مكان في العالم. شكرا جزيلا لكم.

أتمنّى أن تتعلّموا الشجاعة من الأجانب، أو من طلاّب الجامعات صغار السن، لم يهمهم ضغوطات أو تهديدات أو إهانات ووقفوا مع الحق والصح. أو تعلّموا من إسرائيلكم، كيف تدعم الجالية أبناءها، وكيف يفزع أصحاب الدين لإخوانهم.
وعليه العوض ومنّه العوض…

وهذا مقال أكثر من رائع وعن نفس الموضوع، بقلم الزميل حسين يونس: هنيئا لإسرائيل بكم

Category: Arab Societies, Canada, Palestine, Posts in Arabic | Comments Off on نواب برلمان كندا العرب ومهزلة التصويت ضد حركة البي دي إس
December 15 2015

Canada: Cold Country, Warm Hearts

Like many Arabs living in Canada, I was overwhelmed with an indescribable feeling of joy, and pain, as the Syrian refugees started landing in the country.
As happy as I was to see them arrive safely, knowing they’ll now needn’t worry about their survival, and that they’ll finally be able to re-experience a safe and terror-free life, just like the one they used to have a few years ago before all this craziness took place, I have to admit that deep inside me, watching my brothers and sisters in this condition, scattered around the globe, seeking refuge continents away from their home, was not easy, at all.
All what came to my mind was Syria; this beautiful country, with its inveterate history and its rich culture… all the good times that I – like thousand others- have spent there on vacation. Syria was synonym to safety, fun, happiness and everything great. Now with terrorism tearing it apart, I really couldn’t help but feel sincerely sorry for their hearts that are aching and burdened with a huge question mark you can see on the face of almost every refugee: ‘What happened to us? what’s next?’
The only thing that helped ease the pain a bit was witnessing the beautiful reactions of Canadians as they welcomed refugees with arms wide open. Starting with the government and the Prime Minister, Justin Trudeau, to the children who were holding toys and blankets awaiting their “new friends”.
The amount of donations and volunteers dedicating their time to help refugees was pretty impressive, and to see Canada sheltering people despite their religious beliefs, not asking them to give up their religious identity, but on the contrary embracing their beliefs, was just terrific, Canada sent a clear and strong message to the whole world: ‘a human being, is a human being, regardless of what they believe, regardless of where they come from, or what language they speak’.
This message certainly made all Canadians proud of their country and government, I know I am.

Of all Canadian gestures to welcome refugees, I must say that these two touched me the most:

  1. Ottawa children choir singing an Arabic Muslim song to welcome refugees:

2. Quebec senior women meet up to make tuques for refugees.

Let’s remember that those who made it here, or elsewhere as a matter of fact, are only the lucky ones, and that many others are still suffering with no way out.
As heartbreaking as this may be, let’s hope that Syria will once again be a safe home for its lovely people, and that the world will, one day, be a happier place, free of all kinds of terrorism.

 

September 4 2015

ألمانيا تساعد اللاجئين وتباً لكل من يصفق

تناقلت شبكات التواصل الإجتماعي الكثير من المقالات التي كانت بمثابة ردة فعل عنيفة -برأيي- على مشاركة فيديوهات تمدح ألمانيا وتطري على تعاملها مع اللاجئين السوريين، وبشكل عجيب غريب هوجم العديد من المدونين والمغردين على تويتر لمشاركتهم في مدح ألمانيا، معتبرين هذا إنتقاصاً من شأن الدول العربية التي سبقت ألمانيا وغيرها من دول الغرب في إحتضان ومساعدة اللاجئين.

أفهم بكل تأكيد، أن هناك كثر  “ما بعجبهم العجب ولا الصيام في رجب”، وعندهم حقد عجيب على كل ماهو عربي، حتى أنفسهم، وأفهم محاولات مواجهة هؤلاء  لإسكاتهم وإلزامهم حدود العرفان والإنتماء؛ ولكن أن نعتبر العديد من مثقفي العرب معقدين بعقدة “الغرب دوماً أفضل”، أو أنهم يمدحون بهدف “مسح الجوخ” أو الإنتقاص من شأن بلادهم العربية و جهودها، فهذا ما لا أستطيع استيعابه أبداً، وللأسباب التالية:

1. كل الفيديوهات كانت تشيد بما فعلت ألمانيا كسباقة لغيرها من دول أوروبا التي رفضتإستقبال اللاجئين وأغلقت حدودها في وجههم.  وكل التعليقات التي كانت مصاحبة لهذه المشاركات كانت موجهة لباقي الدول الأوروبية لتحذوا حذو ألمانيا.

2. مع أن متوسط دخل المواطن الألماني أعلى بكثير من نظيره العربي، ولكن أغلب المتطوعين في مساعدة اللاجئين هم من طلبة الجامعات الذين يعتمدون على أنفسهم في تأمين تكاليف التعليم، هذا عدا عن أن الموضوع لا يقاس بالماديات، فكثيرون لم تسمح ظروفهم المادية بتقديم أي دعم مادي، و اكتفوا بالتواجد والسمع لهموم اللاجئين، بدل أن يقفوا مكتوفي الأيدي.

3. ، الألمان  الذين إستقبلوا اللاجئين قاموا بذلك ضد إخوانهم الألمان الذين عارضوهم، وتحدوا أبناء عرقهم لمساعدة أناس من غير عرقهم، ولا دمهم، لا يتكلمون لغتهم، ولا يشاركونهم تقاليدهم ولا معتقداتهم، ليسوا أشقاءهم، ولا أقرباءهم،  فنعم الإفتخار بتصرف ألمانيا ليس عيباً ولا مبالغة.

4. هناك فرق شاسع بين التمجيد والإشادة، والإشادة بتصرفات شعب في موضوع معين، لا تعني  أبداً تمجيدها وسياستها كدولة في كل المواضيع، ولا تعني عدم الإنتماء لبلادنا الأم، أو احتقارنا لعروبتنا.

وفي النهاية، إستقبال ومساعدة اللاجئين _في أي مكان في العالم_ هما بداية مشوار طويل في الإغاثة والإحتضان، المهم الاستمرارية في تأمين بيئة كريمة تحترم فيها إنسانية اللاجئ، وتوفر له سبل العيش الكريم دون “تحميل جمايل” ودون تذكيره بمأساته أو إشعاره أنه نكرة أو عبء أو أقل مستوى من غيره.

آملين أن يفرج الله كرب كل لاجئ أياً كان أصله، وأن يسهل على اخواننا السوريين وأن ينتهي هذا الكابوس الذي يعيشونه.

April 5 2015

Sahlab is NOT Israeli

After attempts to label Falafel, Hummus, Baba Ghanouj and many other Arab dishes as Israeli, Israelis are now trying to represent Sahlab (also called Salep in Turkey, and Saloop in England) as an Israeli alternative to hot chocolate!!

This provocative claim has been circulating for a while on many websites and social media portals,  a lot of Israelis are trying to take credit for creating this delicious warm beverage, denying that it’s originally Arab. On the other hand, other Israelis are trying to be a bit manipulative, saying that Sahlab might be Arab, but there is a “variation”of it, aka “Sachlav”, that is created and served only in Israel.
Now the funny part is, that this variation of the Arab drink is not a variation at all, it’s exactly  the same ingredients, made the exact same way, served exactly as the Arab drink is served, making it an imitation, not a variation, and coming up with a Hebrew name so it sounds more Israeli doesn’t make it Israeli… and definitely not Jewish.

Which brings me to a very important point here: “Jewish Food”. Judaism is a religion, which, as a Muslim, I believe in, and respect, it’s not a nationality; you can be any nationality and still be Jewish. Arab Jews lived in the Middle East and North Africa for decades, in peace and harmony, and of course they cooked the food of the country and region they lived in. Whether couscous, falafel, hummus, baba ghanouj, or whatever, it was the food of that culture, cooked by Jews, Muslims and Christians of that culture, long before the state of Israel was even created.
And just like an Italian Jew serving Lasagna (or their “own version” of it) in Israel can’t claim Lasagna is Jewish nor Israeli, an Arab Jew can certainly not call Sahlab, Falafel, Hummus or Couscous or whatever food/beverage they cook or serve in Israel Jewish nor Israeli… it’s as simple as that.

Bottom line is: “Sachlav” is a desperate attempt at stealing away what’s Arab, and only Arab, it’s not Israeli, and it certainly is not Israeli & Arab as some are trying to promote, it’s just ARAB, live with it… and go create your own original beverage, be creative for a change!

We’re used to Israelis trying to steal our cultural heritage and yummy cuisine, but for international websites and news websites to publish articles advertising these lies without proper research!!!! well, it’s unprofessional, irresponsible and unfair. Shame on you!
Here’s a beautifully written piece commenting on this Sahlab vs. Sachlav controversy.

All this talking about Sahlab made me crave a cup of it, if you do too, here’s how to make it:

March 15 2015

“عجايزنا” و”عجايزهم”

في عالمنا العربي تنتقد المرأة التي دخلت مرحلة الشيخوخة إذا فكرت بتصفيف شعرها، أو الاشتراك في ناد للرياضة ، أو  تعلم مهارة جديدة او حتى ممارسة هواية خاصة… فهذا عيب وذاك حرام وهذا غير لائق؛ هي الآن هدفها في الحياة مجالسة الأحفاد، تنظيف المنزل وملء البطون… وانتظار عزرائيل.
ناهيك عن وابل الأمثال المهينة والمحبطةالتي تنهال على مسامعها لتذكيرها ب”وضعها ” وبتخلف من حولها : ”بعد ما شاب ودوه الكتاب”، “بعد الكبرة جبة حمرة” ، ” رجلك والقبر” وغيرها.
انا مع المحافظة على العادات والتقاليد ولكن علينا ان نعترف بأن مجتمعنا يزيدها كثيرا ويستكثر على المرأة أن تكون ما تشاء أن تكون، حتى ضمن أطر مقبولة أخلاقياً ومنطقياً، قامعا روحها وعقلها، ونحن وبلا فخر، نعزز هذا الفكر المتسلط دافنين نصف مجتمعنا في بئر من المحرمات. بينما وفي ذات الوقت، يدعم الغرب سيداته، حتى وهن على مشارف الموت، لأنه على يقين، بأن دعم سيدة ولو على تصرف قد لا ترجى أي فائدة منه غير التسلية قد يشعل شمعة الأمل لدى الكثيرات ويبعث روح المغامرة داخل كل أنثى لتتحدى المستحيل والمعقول، ومن هنا، تتحدى نفسها وتبدع في كل المجالات، ومن هنا تخلق الأجيال القوية الطامحة، ومن هنا تولد المجتمعات المتميزة التي لاتقهر.
ويكفي أن يكون إسمك “إليزابيث” بدلاً من “منيرة” لتتحولي من مجرد مشاهدة لهذا الفيديو إلى بطلته.

January 12 2015

Gazans Got Talent

The other day I watched an episode of the latest season of “Arabs Got Talent”, and besides the fact that I feel so proud watching the many unique talents of the Arab world, this episode touched me the most because of two participants, both from Gaza, Palestine; both had little or no training at all, both had  no professional supervision nor support, and both were simple yet unique, demonstrating ambition, will power, optimism and passion, which is surprising, coming from a place like Gaza, which has become a synonym for destruction, poverty, misery, suffering and misfortune.

Overwhelmed with pride and lots and lots of heartache, I represent to you, Al-Takht Al-Sharqi, this extremely talented band… watching till the very end, you will be able to witness one of the band members, the Qanun instrument player, who I believe is the youngest, wiping off his river of tears without him losing control of the instrument or making even one tiny mistake. This scene, scarred my heart for life, as it made me picture the agony he and many like him went through, and are still going through in Gaza.

And Mohammad Al-Shaikh, this extremely flexible young fellow, who’s been training  for only a year -on his own- without any professional help, with his smile, and charismatic presence… a beautiful young talent aiming at the stars.

And those are just the ones who made it to a TV show, I’m pretty sure there are many other talents waiting to be discovered.

Bravo Gazans, you teach the world the true meaning of persistence and determination… you are an example of unparalleled optimism… just like a rose blooming in a dead desert.

 

Category: Arab Societies, Entertainment, Palestine | Comments Off on Gazans Got Talent
September 17 2014

المرأة وسباق الأرقام والتواريخ

             لفت انتباهي إعلان لشركة دوف جاءت فيه معلومة تقول: واحدة من أصل كل 10 نساء تفخر بالإفصاح عن عمرها الحقيقي، ويهدف الإعلان إلى تحميس النساء وتشجيعهن على الاحتفال بكل الأعماربدلا من الشعور بالحرج.

ففكّرت بالموضوع، لماذا تحاول المرأة دوما إخفاء عمرها؟ وتغضب عندما يسألها أحد عن سنها؟ والجواب طبعا معروف وبديهي: لأنها لا تريد الاعتراف بتقدّمها بالسن… ولكن لماذا يا ترى؟ الجواب أيضا بديهي، لأنها تربت على الخوف من الكبر، ولأن مجتمعها ربط أهميتها وكيانها ووجودها كله بالأرقام،  وحدّد “تاريخ صلاحية” لكل مرحلة من مراحل كينونتها،  فبدلا من أن يدفعها المجتمع للإنجاز، صار يخيفها من كل دقيقة تمر، من كل يوم يمضي، من كل شهر يدخل، ومن كل سنة تنتهي قبل أن تنفذ ما هو مُتوقّع منها. فلكل وقت رقم، ولكل رقم كنية، ولكل كنية أهمية في تحديد ما إذا كانت هذه الفتاة تستحق الحياة أم لا، ما إذا كانت أهلا للإعجاب أم لا… والأسوأ ما إذا كانت تستحق أن تسمّى أنثى أم لا.

ففي الصغر، البنت أميرة، صديقة أمها، دلّوعة والدها والعائلة بأكملها، ويل لمن يحزنها، وويلات لمن يمد يده عليها، هي تطلب فتُلَبّى، تأمر فتُطاع؛ بعدها تصبح صبية ، شابة فتية، ومن هنا تبدأ التسميات والتعريفات ومن هنا يبدأ سباق الأرقام والتواريخ، فالسنتيمترات تحدد أنّ هذه طويلة وهذه قصيرة، والكيلوغرامات تجزم ما إذا كانت هذه رشيقة أوبدينة، وتكبر أكثر فأكثر، وتزداد الأرقام تحكمّا في روحها ووجودها وتوجهاتها وكل حياتها، ولا تعرف مخرجا من السباق على متن “القطار”، القطار الذي طالما سمعت عنه، والذي هو هاجس من حولها.

فهي تعرف كل محطاته، والمحظوظة تكون قد تلقت دروسا كافية للّحاق ب”القطار” في وقته. فكل بنت تعرف أنها لو لم تلقى شريك حياتها في فترة معينة، فإن القطار سيفوتها، كما تعلم كل فتاة أنها لو التقته وارتبطت به ولم تتزوجه خلال مدة معينة، فإن القطار سيفوتها، وإن تزوجته ولم تنجب منه سريعا، فسيفوتها القطار أيضا، وإن أنجبت بنتا لا ولدا، فعليها أن تحاول وتحاول في أسرع وقت أن تنجب الذكر، كي لا يفوتها القطار… إن تطلقت فهي على وشك تفويت القطار، إن تطلقت ومعها أولاد، فقد فاتها القطار، إن ترملت فهي مشكلة، إن ترملت مع أطفال فهي مصيبة لأن القطار حتما فاتها… إن  لوحظت شيبات شعرها فهي كارثة، فقد فاتتها كل القطارات، إن تجعدت بشرتها فهي مأساة تذكّر من يراها بأنها “خلص، راحت عليها”. فللوظيفة مدة صلاحية، وللزواج مدة صلاحية، وللإنجاب مدة صلاحية، وللجمال مدةصلاحية، ويل لمن تحاول أن تفكر حتى في تحقيق شئ انتهت صلاحيته، وعار على من تفصح عن هذه الأرقام التي تكشف صلاحيتها، ولكن مسموح لكل من التزمت بتاريخ الصلاحية أن تفتخر ب”إنجازاتها”، ب”شطارتها”، متناسية أن كل شئ في الدنيا نصيب، وكل شئ في الدنيا رزق مقسوم. وأن أي نجاح على أي صعيد هو من ناحية مجهود شخصي ومن ناحية أخرى رزق أو حظ، وأن محيطك يلعب دور كبير في تحديد هويتك شئت أم أبيت، لذلك أرجو كل المجنمعات الذكورية (وليست هي العربية فقط) بأن يعدلوا تجاه نصف مجتمعهم، بأن يشجعوها على الاستمرار والإنجاز والنجاح بعيدا عن أية أرقام، أو تواريخ، أو أعداد. دعوا المرأة تنطلق وتعكس جمالها الداخلي على مجتمعاتنا، سواء كانت طفلة أو شابة أو عجوز،  إن كانت عزباء أو متزوجة أو مطلقة أو أرملة ، سواء كانت  أم أو جدة، فالأنثى هي الأنثى، مهما اختلفت التسميات ومهما كان الرقم.،