April 4 2020

جائحة فيروس كورونا، أزمة عالمية أم مجرّد لعبة إعلامية؟

​تنتشر هذه الأيام العديد من الآراء المتضاربة فيما يتعلّق بجائحة فيروس كورونا المستجدّ، فتجد مقالات طبية وصحفية وسياسية على صفحات الإنترنت ومنصّات التواصل الاجتماعي تدّعي أنّ الموضوع هو لعبة إعلامية محبوكة ليس إلا، تلعبها وسائل الإعلام لبث الخوف في الناس، أو حرب اقتصادية تشنها الدول العظمى للقضاء على الفقراء والمستضعفين وإنعاش اقتصادها، وغيرها العديد من نظريات المؤامرة، إن صحّ القول، التي أختلف معها وبشدة؛ ومن ناحية أخرى، هناك الجِهات  التي تنبّه من الاستخفاف بالوضع وتحذّر من الانسياق لمثل هذه الآراء المُضلّلة.
وكنتيجة، انقسم الرأي العام لقسمين في هذا الخصوص، رأي مع الاستخفاف بالفيروس، ورأي ضد الاستهانة به.
أعتقد أنّ هناك دوما أكثر من احتمال في تحليل أي موضوع، ولا يوجد رأي واحد صائب إلاّ ما ندر. لكن، وبكل احترام أكنّه لآراء المختصين في مجال الصحة والبيئة والإعلام والسياسة، الذين هم أكفأ مني في تفسير الوضع الحالي، والذين هم بدورهم منقسمين، ولكل قسم أدلّة علمية يستند إليها، لننظر للموضوع من زاوية مختلفة تماما عن زاوية “هذا صائب وهذا مخطئ”.​ نعم، بعيدا عن من هو على حق، لنحلّل الأزمة الحالية على النحو التالي:
هناك سيناريو الهلع والهستيريا والمبالغة، وهناك سيناريو أنّ الوضع فعلا مأساوي وعلينا أخذ إجراءات طارئة “متطرّفة” وغير مسبوقة.
 قد يحتمل الوضع النقاش في الدول المتمكنة اقتصاديا والتي لها نفوذ سياسي قوي على المستوى العالمي يمكّنها من شن حرب إن ادّعى الأمر وربحها في سبيل توفير الأساسيات التي تحتاجها لإنقاذ شعوبها. لكن ماذا عن الدول الفقيرة أو النامية؟
إن كان هذا الفيروس بالفعل جائحة لا يمكن السيطرة عليها، هل تستطيع دولة بحجم الأردن أو تونس أو غيرها مثلا التعامل مع تبعات إهمال الإجراءات الاحترازية؟
هل لدينا من الإمكانيات المادية ومن الكفاءات والموارد البشرية أعدادا كافية للتعامل مع آلاف الحالات دفعة واحدة؟ هل تتسع مؤسساتنا الصحية لتسونامي المرضى الذي سينتج في مثل هذه الحالة؟
أنا من الناس التي أصيبت بانفلونزا الخنازير على فكرة، انتشرت العدوى في مدرسة ابني في دبي وعانينا الأمرين (صحيا) لكننا عولجنا وكانت دبي مستعدة أتم الاستعداد وكان المصل المساعد على الشفاء متوفّر آنذاك لحسن الحظ.
لكن أذكر تماما أنّه لم ينتشر بنفس القوة أو السرعة التي ينتشر بها الكورونا المستجد حاليا، لذا لم تتخذ دول العالم جمعاء الإجراءات الطارئة المتّخذة في مواجهة الكوفيد-19 حاليا، واعتمدت على التوعية والتثقيف وتوفير المطهّرات ومواد التعقيم في كل مكان حسب إمكانياتها.
أمّا الآن فحتى الدول التي تسمح إمكانياتها بتوفير هذه الأمور تلاقي مشاكل في الحصول عليها، أو تصنيعها أو توفيرها فيما يتناسب مع حجم الطلب عليها. بالأمس فقط، استولت أمريكا على باخرة تحمل شحنة أقنعة طبية لحساب ألمانيا. الوضع وصل لهذا الحد من التّنمّر والقرصنة، ويجعلنا نفكّر في هذا الفيروس وأثره على حياتنا اليوم بجدّيّة.هذا عدى عن شهادات مَن هم في قلب الحدث بالفعل. أناس أبعد ما يكون عن السياسة. ممرضون وأطباء، كلّ يشارك صورا وتغريدات ومقاطع فيديو لينبّه إلى خطورة الموقف على المستوى العالمي.
وإن افترضنا جدلا أن حتى هذا كله هراء، مجرّد “لعبة إعلامية” وأنّهم كلهم متآمرين لبث الرعب في نفوس أمم العالم أجمع (لسبب أجهله صراحة)، فأنا متأكدة تماما أن العديد منكم يعرف شخصا يعمل هو في مستشفى أو يعرف أحدا  يعمل في مستشفى في بلد ما، اسألوهم وتيقنوا بأنفسكم لتتضح لكم الصورة. أنا شخصيا لي معارف في إيطاليا وغيرها من الدول الأجنبية والعربية، وأعرف أطباء وممرضين يؤكّدون خروج الوضع عن السيطرة في العديد من الدول.

باعتقادي أعداد الوفيات غير مسبوقة، عالميا، وليس فقط على نطاق دولة بحد ذاتها. باعتقادي أنّ المرعب في هذا الفيروس هو سرعة انتشاره عبر القارات دون أن نعرف ما يكفينا لمواجهته بنجاح، مما يجعلنا عاجزين عن التعامل معه والسيطرة عليه. وباعتقادي أن أغلب البيوت العربية فيها شخص عالأقل مناعته “على قدّه”، فتخيل إن قرأ شاب مقالا من مصدر يفترض أنّه موثوق، أنّ الموضوع هستيريا ليس إلاّ، فتحدّى الحظر، ولم يأخذ باحتياطات السلامة فمرض، ونقل العدوى لأم مسنة، أو صديق مريض بالسرطان، أو طفل مريض بالقلب أو عامل نظافة ذنبه الوحيد أنّه يخدم بلده!
لذا الاحتياط واجب، والالتزام بالقوانين واجب، ومساندتنا لحكوماتنا التي تبذل قصارى جهدها في حدود إمكانياتها واجب، واجب، واجب.

المشكلة الوحيدة في الالتزام بالحظر والانعزال والبقاء في المنزل هي أنّها عبء مادّي على العديد من أرباب البيوت وخصوصا الفقراء الذين يلتقطون أرزاقهم ولقمة عيشهم يوما بيوم، ولا يستطيعون شراء قوت أكثر من يوم واحد.
وهذه المشكلة أخف وطأة في بلاد مثل كندا مثلا، حيث أغاثت الحكومة العديد ممن فقدوا أعمالهم بسبب الفيروس، أو الذين لم يفقدوا وظائفهم لكن شركاتهم جمّدت دفع أي رواتب وليس لديهم مدخول يسددوا من خلاله التزاماتهم المادية العديدة، معتمدة على الضرائب القاسية المفروضة على كل شخص له دخل. أمّا البلاد التي لا تفرض مثل هذه الضرائب العالية، واقتصادها متواضع فمن أين لها أن تدعم شعوبها؟
لهذا على الحكومات في مثل هذه الحالة التنسيق مع الشركات الخاصة ونقابات العمّال وغيرهم من الدوائر والمؤسسات لخلق منظومة تحدد من لا دخل له لتعطيهم الأولوية في الدعم ولو بشكل جزئي إلى أن تستقيم الأمور بإذن الله.
وأنت كمواطن، أيا كان بلدك، إن كنت تستطيع أن تبذل مالك في الخير فقم بذلك، بأي شكل وبأي مبلغ. اسأل عن ذويك إن كانوا بحاجة، اسأل عن جيرانك. ابحث عن حارس البناية أو عامل النظافة أو بائع الكعك في حارتك. إن كنت تعرف مُسِنّا ليس له أحد أو في غربة، تواصل معه، اسأل عنه كل يوم، وتفاهموا على أن تقوم أنت بشراء ما يحتاج من السوق، وإن لم يكن على نفقتك الخاصة، فأنت بهذا تجنّبه تعريض صحته للخطر.
تصّدق للجمعيات الخيرية في بلادك أو عبر الإنترنت (أونلاين) للبلدان الأشد حاجة.كُن مسؤولا،  بُث الثقة والأمل فيمن حولك، دون أن تستهين بخطورة المرض.
لا داعي للهلع، لكن لا للاستهانة بالمرض، أو الاستخفاف بحياتك وحياة الآخرين. انشر الوعي والثقافة. ساعد بلادك على تخطي هذه الأزمة وعلّم نفسك من جديد أن الاحتياط واجب، وأنّ يد الله مع الجماعة وأنّ الباب اللي بجيك منه الريح، سدّه واستريح.

Tags: , , , , , , ,
Copyright 2018. All rights reserved.

Posted April 4, 2020 by Eman Abukhadra in category "Arab Societies", "Canada", "Charity & Human Aid", "General", "Jordan", "Media, International", "Palestine", "Posts in Arabic", "Tunisia