المرأة وسباق الأرقام والتواريخ
لفت انتباهي إعلان لشركة دوف جاءت فيه معلومة تقول: واحدة من أصل كل 10 نساء تفخر بالإفصاح عن عمرها الحقيقي، ويهدف الإعلان إلى تحميس النساء وتشجيعهن على الاحتفال بكل الأعماربدلا من الشعور بالحرج.
ففكّرت بالموضوع، لماذا تحاول المرأة دوما إخفاء عمرها؟ وتغضب عندما يسألها أحد عن سنها؟ والجواب طبعا معروف وبديهي: لأنها لا تريد الاعتراف بتقدّمها بالسن… ولكن لماذا يا ترى؟ الجواب أيضا بديهي، لأنها تربت على الخوف من الكبر، ولأن مجتمعها ربط أهميتها وكيانها ووجودها كله بالأرقام، وحدّد “تاريخ صلاحية” لكل مرحلة من مراحل كينونتها، فبدلا من أن يدفعها المجتمع للإنجاز، صار يخيفها من كل دقيقة تمر، من كل يوم يمضي، من كل شهر يدخل، ومن كل سنة تنتهي قبل أن تنفذ ما هو مُتوقّع منها. فلكل وقت رقم، ولكل رقم كنية، ولكل كنية أهمية في تحديد ما إذا كانت هذه الفتاة تستحق الحياة أم لا، ما إذا كانت أهلا للإعجاب أم لا… والأسوأ ما إذا كانت تستحق أن تسمّى أنثى أم لا.
ففي الصغر، البنت أميرة، صديقة أمها، دلّوعة والدها والعائلة بأكملها، ويل لمن يحزنها، وويلات لمن يمد يده عليها، هي تطلب فتُلَبّى، تأمر فتُطاع؛ بعدها تصبح صبية ، شابة فتية، ومن هنا تبدأ التسميات والتعريفات ومن هنا يبدأ سباق الأرقام والتواريخ، فالسنتيمترات تحدد أنّ هذه طويلة وهذه قصيرة، والكيلوغرامات تجزم ما إذا كانت هذه رشيقة أوبدينة، وتكبر أكثر فأكثر، وتزداد الأرقام تحكمّا في روحها ووجودها وتوجهاتها وكل حياتها، ولا تعرف مخرجا من السباق على متن “القطار”، القطار الذي طالما سمعت عنه، والذي هو هاجس من حولها.
فهي تعرف كل محطاته، والمحظوظة تكون قد تلقت دروسا كافية للّحاق ب”القطار” في وقته. فكل بنت تعرف أنها لو لم تلقى شريك حياتها في فترة معينة، فإن القطار سيفوتها، كما تعلم كل فتاة أنها لو التقته وارتبطت به ولم تتزوجه خلال مدة معينة، فإن القطار سيفوتها، وإن تزوجته ولم تنجب منه سريعا، فسيفوتها القطار أيضا، وإن أنجبت بنتا لا ولدا، فعليها أن تحاول وتحاول في أسرع وقت أن تنجب الذكر، كي لا يفوتها القطار… إن تطلقت فهي على وشك تفويت القطار، إن تطلقت ومعها أولاد، فقد فاتها القطار، إن ترملت فهي مشكلة، إن ترملت مع أطفال فهي مصيبة لأن القطار حتما فاتها… إن لوحظت شيبات شعرها فهي كارثة، فقد فاتتها كل القطارات، إن تجعدت بشرتها فهي مأساة تذكّر من يراها بأنها “خلص، راحت عليها”. فللوظيفة مدة صلاحية، وللزواج مدة صلاحية، وللإنجاب مدة صلاحية، وللجمال مدةصلاحية، ويل لمن تحاول أن تفكر حتى في تحقيق شئ انتهت صلاحيته، وعار على من تفصح عن هذه الأرقام التي تكشف صلاحيتها، ولكن مسموح لكل من التزمت بتاريخ الصلاحية أن تفتخر ب”إنجازاتها”، ب”شطارتها”، متناسية أن كل شئ في الدنيا نصيب، وكل شئ في الدنيا رزق مقسوم. وأن أي نجاح على أي صعيد هو من ناحية مجهود شخصي ومن ناحية أخرى رزق أو حظ، وأن محيطك يلعب دور كبير في تحديد هويتك شئت أم أبيت، لذلك أرجو كل المجنمعات الذكورية (وليست هي العربية فقط) بأن يعدلوا تجاه نصف مجتمعهم، بأن يشجعوها على الاستمرار والإنجاز والنجاح بعيدا عن أية أرقام، أو تواريخ، أو أعداد. دعوا المرأة تنطلق وتعكس جمالها الداخلي على مجتمعاتنا، سواء كانت طفلة أو شابة أو عجوز، إن كانت عزباء أو متزوجة أو مطلقة أو أرملة ، سواء كانت أم أو جدة، فالأنثى هي الأنثى، مهما اختلفت التسميات ومهما كان الرقم.،